مصادر اقتصادية تكشف عن ضغوط دولية وإقليمية وراء إصلاح الاقتصاد اليمني وتعافي العملة في المناطق المحررة

كشفت مصادر اقتصادية مطلعة عن ضغوط دولية وإقليمية متصاعدة تعرضت لها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تهدف إلى دفعها نحو تنفيذ إصلاحات اقتصادية وإدارية عاجلة لمواجهة الانهيار المالي وتفاقم أزمة الأمن الغذائي، وذلك بالتزامن مع تعافٍ مفاجئ للريال اليمني بنسبة تجاوزت 50% خلال أيام معدودة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ما أحدث حالة من الإرباك في الأسواق المالية والتجارية.

وأفادت المصادرفي حديث مع وكالة "خبر"، بأن أبرز هذه الضغوط جاء من الولايات المتحدة والسعودية، حيث طالبتا الحكومة اليمنية بوقف تدهور العملة وفرض إصلاحات شاملة، وعلى رأسها توحيد الوعاء الإيرادي، ووقف استنزاف البنك المركزي اليمني من قبل أطراف نافذة، والحد ولو نسبياً من تفاقم الأمن الغذائي في البلاد.

وحذرت هذه القوى، وفق المصادر، من أن استمرار الانقسامات داخل الحكومة، وتضارب المصالح بين مراكز النفوذ، يمثل عقبة رئيسية أمام أي دعم خارجي محتمل، معتبرة أن تمويل الاقتصاد اليمني في ظل غياب الإصلاحات الإدارية والشفافية المالية "غير ممكن".

تعافٍ غير مفهوم

وبشكل مفاجئ، سجل الريال اليمني في المناطق المحررة تعافياً بنسبة 50% من قيمته خلال فترة قصيرة، دون أن تُصاحب ذلك إجراءات حكومية واضحة أو دعم خارجي مباشر.

وأدى هذا التحسن السريع إلى حالة من الإرباك الشديد لدى شركات الصرافة والمؤسسات المصرفية، التي تشككت في مدى استقرار هذا التعافي، لا سيما في ظل استمرار توقف صادرات النفط والغاز من شبوة وحضرموت منذ أكتوبر 2022 نتيجة هجمات مليشيا الحوثي على الموانئ، وغياب الودائع الخارجية عن البنك المركزي بعدن.

ورغم التحسن النسبي في سعر الصرف، إلا أن أسعار السلع الأساسية لم تشهد أي انخفاض يُذكر، وسط صمت لافت من كبريات المجموعات التجارية، مثل مجموعة هائل سعيد أنعم ومؤسسة النقيب، اللتين تهيمنان على أكثر من 70% من السوق الغذائية والاستهلاكية في البلاد.

وبررت هذه الجهات موقفها بعدم وضوح الرؤية بشأن استقرار العملة، في حين أقدم بعض صغار التجار على تخفيضات جزئية لم تتجاوز 20% من قيمة السلع.

توحيد الإيرادات العامة

ويرى خبراء اقتصاديون تحدثوا لوكالة خبر، أن التعافي الأخير للعملة له صلة وثيقة بإجراءات حكومية مشددة ضد المضاربين بسوق الصرف، نتيجة الضغوط الدولية، في ظل توجه رسمي نحو توحيد الإيرادات العامة وربطها بالبنك المركزي، بعد أن كشفت تصريحات لمحافظ البنك المركزي أحمد أحمد غالب عن وجود أكثر من 145 جهة حكومية كانت تورد إيراداتها إلى حسابات خاصة في بنوك أهلية.

واعتبر الخبراء أن نجاح الحكومة في هذا المسار سيُشكل نقطة تحول في ضبط السوق المالية، إذا ما توافرت الإرادة السياسية والرقابة المؤسسية، خصوصا في ظل المؤشرات الحاصلة والمتمثلة بالقرارات الصارمة للبنك والتي بلغت حد سحب تراخيص فروع بعض شركات الصرافة في أول إجراء يتخذه البنك منذ سنوات.

تعميق الانقسام النقدي

وكانت واصلت مليشيا الحوثي خطواتها الانفرادية لتعميق الانقسام النقدي في البلاد، حيث أصدرت منتصف يوليو الماضي ورقة نقدية جديدة من فئة 200 ريال بالمخالفة للقانون، بعد ثلاثة أيام من طرح عملة معدنية من فئة 50 ريالاً، كانت قد سبقتها عملة معدنية لفئة 100 ريال.

واعتبرت الحكومة اليمنية والتحالف العربي هذه الإجراءات تصعيداً خطيراً يهدف إلى تكريس الانقسام الاقتصادي والنقدي، خاصة وأن الجماعة ترفض التعامل بالطبعة الجديدة من العملة الصادرة عن الحكومة المعترف بها دولياً في ديسمبر 2019، وتقوم بتهريب العملات من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرتها عبر شبكات صرافة وبنوك موالية لها.

وحذر خبراء اقتصاديون من خطورة استمرار نفوذ بعض مراكز القرار داخل الحكومة، التي ترتبط بعلاقات مصالح مع شركات صرافة وبيوت تجارية كبرى، الأمر الذي قد يُقوض أي خطوات إصلاحية ويُعرض العملة لانتكاسات جديدة.

وأكدوا أن استقرار سعر الصرف لا يمكن أن يتحقق بشكل مستدام دون إصلاحات شاملة، تشمل ضبط السوق المصرفي، وتفعيل الشفافية في إدارة الإيرادات العامة، وكبح المضاربات بالعملة.

وأشاروا إلى أن هذا المشهد المعقد يأتي في وقت بالغ الحساسية، إذ يتطلب من الحكومة اليمنية تسريع وتيرة الإصلاحات وضبط الموارد العامة، في ظل ضغط دولي متصاعد، وأزمة إنسانية متفاقمة تهدد ملايين اليمنيين، بينما تستمر مليشيا الحوثي في تعميق الانقسام النقدي، ما يهدد بنسف ما تبقى من النظام المالي في البلاد.