تعز مدينة تحت الحصار الداخلي... فساد وانهيار خدمات في ظل سلطة غائبة

مصطفى المخلافي

وسط مدينة تعز، ثالث أكبر مدن اليمن، تتراكم الأزمات الإنسانية والمعيشية في مشهد يعكس انهياراً شاملاً لمنظومة الخدمات، في ظل سلطة محلية عاجزة ومتهمة على نطاق واسع بالفساد وسوء الإدارة، يعيش سكان تعز واقعاً يومياً قاسياً يتمثل في انعدام مياه الشرب وارتفاع أسعار الإيجارات وغلاء المعيشة، بالإضافة إلى انهيار البنى التحتية، بينما تبقى رواتب موظفي الدولة، إن وجدت، غير كافية حتى لسد احتياجات أسبوع واحد.

وبرغم الهدوء النسبي في جبهات المدينة مؤخراً إلا أن الأزمة الحقيقية التي تقض مضاجع الأهالي لم تأت من ساحة الحرب بل من داخل مؤسساتهم المحلية، حيث يتحدث المواطنون عن غياب تام لأي جهود حقيقية من قبل الجهات المعنية لتحسين مستوى الخدمات، متهمين قيادات محلية محسوبة على حزب الإصلاح، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، بالسيطرة على مفاصل القرار ونهب الإيرادات العامة والعبث بموارد المحافظة، وفي ظل هذا الواقع تحولت السلطة إلى أداة سياسية لخدمة مصالح محددة، في حين تُرك المواطن يواجه الجوع والعطش والغلاء بمفرده.

وعن المعاناة اليومية يُجبر سكان المدينة على شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار باهظة، إذ يتجاوز سعر الخزان الواحد أكثر من 80 ألف ريال يمني، في وقت لا تتجاوز فيه مرتبات كثير من الموظفين 30 ألفاً شهرياً، ولا تُصرف بانتظام، ولا توجد أيضاً شبكة مياه عامة فاعلة، ولا رقابة على أسعار الموردين، ولا أي تحرك جاد من الجهات المختصة لمعالجة الأزمة أو حتى الاعتراف بفشل إدارتها.

كما تشهد الأسواق ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية من كهرباء واتصالات باتت رفاهية لا تصل إلا لفئة محدودة، ومع تفشي البطالة ونزوح عشرات الآلاف داخل المدينة، أصبح الوضع أقرب إلى انفجار اجتماعي مكبوت، فيما يتحدث السكان عن طفح في الغضب الشعبي قابل للانفجار في أية لحظة، في ظل استمرار تدهور الأوضاع وتجاهل السلطات لمطالب الناس.

وعوضاً عن مواجهة هذه الكارثة الخدمية والمعيشية، يخرج المسؤولون المحليون بتصريحات مثيرة للجدل تحاول صرف النظر عن الواقع المتردي، إذ غالباً ما يتم تحميل ميليشيا الحوثي مسؤولية أي احتجاج شعبي أو تحرك مجتمعي غاضب، وهذا لا يعني بأن ميليشيا الحوثي لا تسعى لتفجير الوضع في تعز، ولا يعني بأن ما يحدث في تعز من غليان شعبي ليس بسبب الفشل السياسي وانتهازية السلطة في تعز، بل يراه كثير من الناشطين محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام المحلي والدولي، ووسيلة للتهرب من المحاسبة، وأحد أبرز هذه التصريحات التي أثارت الجدل كان لنائب مدير الأمن في تعز نبيل الكدهي، الذي تحدث عن خلايا حوثية تقف وراء احتجاجات شعبية أشعل فيها المتظاهرون الإطارات في بعض شوارع المدينة، في حين تؤكد مصادر ميدانية أن المظاهرات نابعة من معاناة حقيقية وليست مدفوعة من أطراف خارجية.

مراقبون يرون أن تعز تحولت إلى محافظة مستنزفة على جميع المستويات، حيث لا توجد خطط واضحة لإعادة الإعمار أو تحسين البنية التحتية، ولا جهود حقيقية لاستغلال مواردها وإيراداتها في مصلحة السكان، لكن في المقابل هناك شبه إجماع شعبي على أن السلطة المحلية باتت تمثل عبئاً ثقيلاً على المدينة، لا سيما مع استمرار تحكم قيادات محسوبة على قوى سياسية بعينها، معظمها من تيار الإخوان وقادة ما يُعرف بشباب فبراير في مفاصل السلطة المحلية بعيداً عن الكفاءة أو المساءلة.

وفي ظل هذا الانهيار الصامت، لا يجد أهالي تعز من يرفع عنهم المعاناة، حيث إن المنظمات الدولية خففت تدخلاتها، والحكومة المركزية غائبة، والسلطة المحلية منشغلة بتقاسم النفوذ، فيما يموت الناس ببطء من العطش ومن الجوع والفقر، والإهمال.

ختاماً:

فإن الصورة اليوم في تعز تبدو أكثر قتامة مما تبدو عليه في نشرات الأخبار، مدينة منهكة فقدت الثقة في كل من وعدها بالدولة والخدمات والكرامة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى انفراجة قريبة، ما لم يتم كسر الحلقة المفرغة من الفساد، وإعادة بناء سلطة محلية نزيهة وفعالة، تعيد للمواطن في تعز حقه في الحياة.