رغم العواصف والانقسامات.. الوحدة اليمنية صامدة بوحي الإرادة الشعبية وصلابة التاريخ
في ظل تحديات جسام تمر بها البلاد وتجاذبات سياسية ممزقة، تعود ذكرى الوحدة اليمنية في 22 مايو لتؤكد حضورها كقيمة راسخة في الوجدان الشعبي، ومسألة وجودية تتعلق بمصير شعب بأكمله، ما تزال صامدة رغم كل ما تعرضت له من أزمات وانكسارات.
وتشير قراءات تاريخية وسياسية إلى أن سر صمود الوحدة لا يكمن فقط في بعدها الجغرافي أو السياسي، بل في كونها كانت مطلبًا شعبيًا ضاغطًا من مختلف فئات المجتمع، والتي وجدت فيها الخلاص من تاريخ طويل من التشرذم والصراعات والاستعمار، وهي التي أمدّت المشروع الوحدوي بروحه الحية وضمانة استمراريته رغم الرياح العاتية.
وفي قلب هذا المشروع الوطني الكبير، برز الدور القيادي للرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي تحلى بشجاعة استثنائية وامتلك رؤية وحدوية عميقة، قاد بها المسار الصعب نحو تحقيق الوحدة، في لحظة تاريخية فارقة، كانت فيها المخاوف كثيرة والمعرقلات أكثر. فقد تعامل صالح بحنكة سياسية لافتة مع تعقيدات المرحلة، وأدار مفاوضات دقيقة مع قيادة الشطر الجنوبي حينها، وتوج جهوده في 22 مايو 1990 بإعلان الجمهورية اليمنية، على أساس وحدة اندماجية كاملة، تمثل ذروة تطلعات الأجيال اليمنية منذ عقود.
لم تكن الوحدة، في رؤيته، مجرد توحيد إداري، بل مشروعًا وطنيًا جامعًا يعيد لليمن مكانته ودوره التاريخي في محيطه العربي والإقليمي، ويؤسس لعصر جديد من الاستقرار والتنمية والحرية.
وقد واجه الرئيس صالح تحديات جسام في سبيل تثبيت هذا المنجز الوطني، من عواصف داخلية، وانقسامات حزبية، وخذلان إقليمي، وأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة، إلا أنه ظل متمسكًا بخيار الوحدة كقدر ومصير، رافضًا التفريط فيها تحت أي ظرف.
اليوم، وبعد ما يقارب 35 عامًا من إعلان الوحدة، يرى مراقبون أن الإرث الوحدوي الذي تركه الرئيس صالح ما يزال حاضرًا بقوة في الضمير الجمعي لليمنيين، رغم المحاولات المستمرة لتقويضه من أطراف داخلية وخارجية.
فالوحدة لم تكن مجرد لُحمة جغرافية بين شطرين، بل مثلت درسًا إنسانيًا وسياسيًا عظيمًا في تجاوز الحقب الاستعمارية والسلطنية والصراعات الدموية، وقد أظهرت الإرادة الشعبية قدرتها الفائقة على حماية هذا الإنجاز الوطني، حتى في أحلك الظروف وأكثرها تعقيدًا.
وبينما تمر البلاد اليوم بأكبر تحدياتها، تتجدد الحاجة إلى استلهام روح الوحدة وروح القائد الذي حققها، واستعادة المشروع الوطني الكبير الذي اجتمعت عليه الإرادة الشعبية واحتضنته القيادة السياسية برؤية ومسؤولية تاريخية.
ويجمع مثقفون وسياسيون أن صمود الوحدة حتى اليوم هو ثمرة شجاعة القرار الوحدوي، وحكمة القيادة في لحظة مصيرية، وإيمان الشعب بأن اليمن الواحد هو الأصل، وأن التفرقة مجرد استثناء عابر في مسيرة الشعوب.