اليمن واقع مؤلم ومستقبل مجهول
د/ جمال الحميري
يعيش المواطن اليمني اليوم في واقع مأساوي ومعقد، يتأرجح فيه بين سلطتين لم تقدّما له سوى مزيدٍ من الألم والمعاناة. فمن جهة، تقع مناطق سيطرة مليشيا الحوثي تحت قبضة أمنية خانقة، حيث تُكمّم الأفواه، وتُقمع الحريات، وتُقابل المطالبة بأبسط الحقوق بالتخوين والقمع أو السجن. المؤسسات التي من المفترض أن تخدم الشعب تحوّلت إلى أدوات للجباية، والرواتب التي تُعدّ حقاً أساسياً للعيش الكريم انقطعت عن الموظفين منذ سنوات، في ظلّ غياب شبه كلي لمفهوم الدولة أو سيادة القانون.
في هذه المناطق، لم يعد المواطن يشعر بأنه في كنف دولة، بل في ظل جماعة ارهابية تتحكم في تفاصيل حياته اليومية، وتوظف الدين والسياسة والسلطة لقمع كل صوت مختلف.
وعلى الجهة الأخرى، فإن مناطق "الشرعية" لم تكن أفضل حالاً، رغم ما يُفترض أنها تمثل الجانب الذي يسعى لاستعادة الدولة. ففي عدن ومارب وبقية المحافظات التي تسيطر عليها، يعاني المواطن من انعدام الخدمات الأساسية كالكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم، وسط تدهور اقتصادي وانفلات أمني متكرر. لم تقدّم الشرعية نموذجاً حقيقياً يُطمئن الناس على مستقبلهم أو يشعرهم بالفرق بين من يسيطر عليهم هنا وهناك.
وبات واضحاً أن الشرعية قد انشغلت عن معركة استعادة الدولة بمعارك أخرى، أقل شأناً وأبعد ما تكون عن هموم المواطن. فقد أصبحت غارقة في تقسيم المناصب والوظائف والامتيازات، وتنافس محموم على السفارات والسفريات والاستثمارات في بعض الدول، في مشهد يكرّس الفساد ويعمّق الفجوة بينها وبين الشعب. بدلاً من أن تتحرك لفتح الجبهات وتحرير الأرض واستعادة المؤسسات، اكتفت على تحقيق مصالحها الضيقة وكأن معاناة اليمنيين لا تعنيها.
وهكذا، وجد المواطن اليمني نفسه في مفارقة قاسية: بين مناطق يُقمع فيها وتُسلب حقوقه باسم "الولاية" و"الجهاد"، ومناطق تعيش في فوضى وفقر وفشل إداري باسم "الشرعية" و"استعادة الدولة". وفي كلا الحالتين، لا صوت له، ولا مكان لمعاناته في حسابات من يتقاسمون السلطة والثروة على حسابه.
لقد أصبح المواطن اليمني ضحية لمليشيات انقلابية وشرعية فاشلة ناهيك عن سلطات لم تلتفت للمواطن إلا كمصدر تمويل أو وقود صراع. وما لم يتغير هذا الواقع، ويتم تحريك جميع الجبهات لاستعادة مؤسسات الدولة، فإن الأزمة لن تنتهي، بل ستستمر لعقود قادمة، على حساب هذا الشعب المنهك.