العراق.. سيناريوهات رد فعل الخاسرين في الانتخابات واستبعاد لتدخل المرجعية

بعد نحو شهر من عمليات إعادة الفرز والعد اليدوي للمحطات المطعون فيها، تؤكد مفوضية الانتخابات العراقية أن النتائج الأولية لن تتغير كثيرا، مما أثار تساؤلات بشأن قبول فرقاء العراق لما أسفرت عنه العملية الانتخابية، وما إذا كانت المؤسسة الدينية ستلعب دورا في ذلك.

وتشكك الجماعات المسلحة في نتيجة الانتخابات العامة التي أجريت في أكتوبر، والتي منيت فيها بهزيمة ساحقة، كما نظمت اعتصامات تحولت إلى أعمال عنف في بغداد هذا الشهر.

ونتج عن  إعادة العد والفرز اليدوي تغييرات تتعلق بخمسة إلى ستة مقاعد في البرلمان المقبل، حسبما أكد عضو الفريق الإعلامي للمفوضية، عماد جميل، لموقع "الحرة"، نافيا التقارير التي تحدثت عن تغيير طال ما يصل لـ12 مقعدا.

كانت النتائج الأولية للانتخابات أظهرت فوز التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، بالمركز الأول بعد حصوله على أكثر من سبعين مقعدا في البرلمان الجديد من أصل 329.

وحل حزب "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، في المركز الثاني بعد أن حصد 37 مقعدا، ليقصي تحالف الفتح، الحليف القوي لإيران، الذي كان القوة الثانية في البرلمان المنتهية ولايته بـ48 مقعدا، وانخفض نصيبه في هذه الدورة إلى نحو 17 مقعدا. 

كما حلت كتلة دولة القانون، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في المرتبة الثالثة بحصولها على 34 مقعدا، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ 32 مقعدا.

ويؤكد المحلل السياسي، هاشم الكندي، أن القوى الخاسرة لن تقبل بهذه النتائج، "ما لم يتم استكمال جميع إجراءات عمليات فرز الأصوات يدويا وتصحيحها"، على حد قوله.

وقال إن إعادة مراجعة فرز 5 في المئة فقط أدى إلي تغيير في 8 مقاعد على الأقل، متسائلا "ماذا سيحدث لو تمت مراجعة باقي عمليات الفرز؟"، مشيرا إلى أن المفوضية تعاملت بانتقائية مع الطعون، ولم تقبل إلا 10 منها فقط.

وأمام هذا الوضع، يرى الكندي أن جميع السيناريوهات القانونية متاحة للذهاب إلى المحاكم. وفي حال فشل هذا الحل قال: "يمكن الذهاب إلى المحاكم الدولية"، مشيرا إلى أن وفدا من الإطار التنسيقي للقوى الشيعية يستعد للذهاب لمجلس الأمن لعرض الأدلة على تزوير الانتخابات.

أما الخيار الأخير فهو رفض نتائج الانتخابات ومقاطعة العملية السياسية، بحسب الكندي.

ويتفق رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، في عدم موافقة القوى الخاسرة على قبول النتائج "إذا وجدت نفسها معزولة عن الخريطة السياسة المقبلة وعن السلطة التنفيذية".

ويعتقد الشمري أن هذه القوى تشعر بالقلق من عدم تواجدها في الحكومة، وذلك بالنظر إلى سيطرتها على حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، على حد قوله.

لكنه عاد ليقول: "يمكن أن تكون النتائج مقبولة" إذا حصل "توافق داخل البيت السياسي الشيعي؛ بمنحها حقائب وزارية وحصانة لسلاحها وإشراكها في اختيار الرئيس المقبل".

وكان الصدر قد دعا، في خطاب في 18 نوفمبر، الفصائل المسلحة الموالية لإيران إلى حل نفسها إن أرادت الانضمام لحكومته المقبلة، وطالبها أيضا بتسليم أسلحتها لقوات الحشد الشعبي، التابعة للحكومة، عبر القائد العام للقوات المسلحة.

ومع إعلان مفوضية الانتخابات، الخميس، الانتهاء من عمليات العد والفرز اليدوي، من المقرر وصول النتائج النهائية إلى المحكمة الاتحادية في غضون عشرة أيام كحد أقصى.

وفي هذا السياق، يرجح عضو التيار الصدري، عصام حسين، قبول القوى الخاسرة  بالنتائج "على مضض"، رغم إصراراها على أنها مزورة، وذلك بعد تصديق المحكمة الاتحادية.

وأرجع حسين سبب رفض القوى الخاسرة للنتائج إلى محاولتها "الضغط على المفوضية العليا"، مؤكدا أن الخاسرين سيتمسكون بهذا الموقف طالما لم يتم التصديق على النتائج، على حد قوله.

وخلال الأسبوعين الماضيين وقعت صدامات بين المعتصمين التابعين للفصائل المسلحة وقوات الأمن إثر تصديها لمحاولات اقتحام المنطقة الخضراء، حيث المقرات الحكومية وسفارات أجنبية، منها السفارة الأميركية.

ولأول مرة منذ أربعة شهور، سقطت أربعة صواريخ كاتيوشا بالقرب من المنطقة الخضراء، الأحد، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر أمني عراقي.

كما تعرض رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال فاشلة، بواسطة طائرة مسيرة مفخخة استهدفت إقامته في بغداد، في هجوم لم تتبنه أي جهة.

لكن عضو التيار الصدري أكد لموقع "الحرة" أن هذه القوى لا تمتلك أي أداوت لتعكير صفو نتائج الانتخابات، قائلا: "في حالة فكرت في استخدام التهديد أو القوة ستخسر الكثير من رصيدها السياسي".

وأضاف: "صراع القوى الخاسرة بشأن هذه النتائج هو من أجل البقاء السياسي ولتكن صاحبة نفوذ في الحكومة والبرلمان".

ويتفق الشمري مع هذا الرأي، مستبعدا المواجهة المفتوحة. وأشار إلى أن هذه القوى قد تلجأ إلى المقاطعة والمعارضة السياسية وخلق مشكلات للحكومة. 

دور للمرجعية؟

وعن احتمالية تدخل المرجعية الدينية العليا في النجف لحل هذه الخلافات بين القوى الشيعية، قال رئيس مركز الفكر للحوار والإصلاح، الشيخ مجيد العقابي لموقع "الحرة" إن "المرجعية تصدر بعض التوجيهات على سبيل الإرشادات وليس كأوامر أو تدخل مباشر منها في العملية السياسية".

وفي نوفمبر 2019، بدا واضحا للمرة الأولى، دعم المرجع علي السيستاني (91 عاما) للاحتجاجات الغاضبة التي دعت إلى "إقالة الحكومة" وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على العراق منذ 16 عاما، مع اتهامها بالفساد وهدر ثروات هذا البلد.

لكن العقابي يؤكد أن المرجعية لم تتدخل في الماضي بشكل مباشر في العملية السياسية، ولن تتدخل في الحاضر أو المستقبل، لافتا إلى أنها فقط ترسل إرشادات.

ومطلع الشهر الجاري، رفضت المرجعية زج اسم السيستاني في أي اجتماعات أو مباحثات بشأن تشكيل الحكومة.

ويقول الكندي إن المرجعية لا تتدخل "في هذ الأمور التفصيلية"، لكنه أضاف "لو كانت المرجعية مقتنعة بنتائج الانتخابات لكانت باركتها وأيدتها"، مشيرا إلى أن عدم تعليقها دليل على عدم رضاها عن عمل المفوضية، على حد قوله.

وفي هذا الصدد، لا يعتقد الشمري أن تدخل المرجعية على خط الأزمة بين القوى الشيعية، مضيفا "المرجع الشيعي يريد أن ينأى بنفسه عن التدخل في هذا الخلاف".

كما استبعد عضو التيار الصدري أن تلعب المرجعية الدينية دورا في المشهد السياسي في المرحلة المقبلة، وأرجع ذلك إلى أنها تؤمن بالديمقراطية وبمخرجاتها السياسية، وقدرة بعض الكتل السياسية على تهدئة الأوضاع.

وأشار إلى أن المرجعية ستتخذ موقفا حياديا، على حد قوله.