مسرحية هزلية برعاية إيرانية.. قراءة في محاكمة مليشيا الحوثي 74 رئيساً وملكاً ووزير دفاع في العالم

الكذب ليس إلا حوثياً، ومحال أن نجد له منافساً، "صواريخه الباليستية ومسيراته على بُعد أكثر من ألفي كيلومتر حققت إصابات مباشرة في "العمق الإسرائيلي"، ومقاتلوه في خطوط النار بقطاع غزة، حتى إنه سقط منهم ثلاثة شهداء في أول أيام طوفان الأقصى الذي أطلقته حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وكل ذلك هيّن بعد أن حولته طهران إلى مسخرة، حد دفعه الإعلان لمحاكمة 74 رئيس دولة وملكاً ووزير دفاع وسفيراً عربياً ودولياً.

أعلنت المحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة صنعاء الخاضعة لمليشيا الحوثي، السبت 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عقد أولى جلسات محاكمة 74 شخصية دولية، على رأسها الرئيسان الأمريكيان دونالد ترامب وباراك أوباما (واستثنت بايدن)، وملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، والرئيس السوداني السابق عمر البشير، والملك البحريني حمد عيسى آل خليفة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، وغيرهم الكثير من وزراء الدفاع ورؤساء الأركان، ومديري أجهزة الاستخبارات، وأقل منصباً بينهم سفير دولة.

وقالت المحكمة المتخصصة الحوثية، إن هؤلاء المتهمين هم "من قيادات دول تحالف العدوان على اليمن" وحددتهم بدول "السعودية، الإمارات، أمريكا، بريطانيا، إسرائيل، البحرين، والسودان"، في الوقت الذي أسقطت المليشيا اسماء دول وأضافت أخرى وفقاً لنزواتها، إن نظرنا إلى حقيقة تركيبة دول التحالف الذي قادته السعودية، بناءً على طلب من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وإن كان قد ظهر بعد انطلاق عاصمة الحزم في مارس 2015، وأكد في حوار متلفز أنه تفاجأ بذلك مثل بقية اليمنيين.

حالة الاضطراب النفسي والكراهية المتجذرة في النظام الإيراني حد الانتقام من المنطقة العربية، وجدت ضالتها في شخصية الحوثي غير السوية، فهي تتكاثر في البؤر، وتتنفس الكذب، ولذا لم يسلم منها حتى الخالق سبحانه، فهي تدّعي مراراً أنه اصطفاها على العالمين، ونصبها بتزكية من خاتم رسله (عليه الصلاة والسلام) خليفة على عباده إلى يوم يبعثون.

استبعاد بايدن

الملاحظ أن مليشيا الحوثي استبعدت من قائمة أسماء المتهمين لديها الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" في الوقت الذي أدرجت سابقيه باراك أوباما وحددت فترة اتهامه بالتدخل في شؤون اليمن من 2009 إلى 2017م، ودونالد ترامب من 2017 إلى 2021، وثمانية آخرين بينهم وزراء دفاع الولايات المتحدة المتعاقبين خلال الفترات 2015 وحتى 2021، و3 رؤساء وكالة الاستخبارات المركزية المتعاقبين خلال الفترة 2013 وحتى 2021 فقط (رغم استمرار الحرب في البلاد واتهام زعيمها عبدالملك الحوثي لأمريكا المستمر بتواجد قوات لديها في حضرموت والبحر الأحمر)، بالإضافة إلى السفير ماثيو هيوود تولر"، وحددت الفترة من 16/5/2014م إلى 8/5/2019م.

وبينما كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب، قد أعلنت في يناير 2021، قبل أيام من انتهاء فترة حكمه الرئاسية، مليشيا الحوثي "منظمة إرهابية أجنبية"، جاءت إدارة خلفه جو بايدن مغايرة تماما وسعت منذ الأيام الأولى لإلغاء القرار، وفي 16 فبراير 2021 تم إلغاء القرار، وأرجع بايدن السبب إلى "تخفيف حدة أسوأ أزمة إنسانية في البلاد"، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً، وأيضاً لم تتخذ إدارته أي إجراء لغرض استئناف القرار.

محللون قالوا لوكالة خبر، إن قرار بايدن بإسقاط الحوثيين من التصنيف بالإرهاب، وإسقاط الحوثيين لاسمه من قائمة المتهمين لديها، ليس إلا تخادمات رعتها طهران مسبقاً.

ومؤخراً، الولايات المتحدة قدمت، الكثير للحوثيين عبر الأمم المتحدة، بينها رفع القيود عن مطار صنعاء وموانئ الحديدة، مقابل تواجدها لحماية مصالحها في البر والبحر اليمني، ولذلك استهدفت المليشيا في أكتوبر 2022 سفن نقل النفط من موانئ شبوة وحضرموت وتسببت بإيقاف التصدير كليا حتى الآن، بينما لم تستهدف ولو عرضياً أي قوات أمريكية قالت إنها متواجدة في حضرموت والبحر الأحمر.

هذا بعيداً عن أكذوبة شعار (... الموت لأمريكا/ اللعنة على اليهود)، الذي أطلقه الصريع حسين الحوثي (شقيق زعيم المليشيا عبدالملك) في 17 يناير 2002م، ما يعني أن العداء لأمريكا لو كان حقيقياً لكان سبق هذه الفترة، بدلاً من اختيار العام 2009 حدها الأدنى.

ملوك ورؤساء

وبالعودة للقائمة الحوثية، وضعت المليشيا في قائمة محاكمتها 14 شخصية من المملكة العربية السعودية، على رأسها الملك سلمان بن عبدالعزيز، ونجله ولي العهد محمد بن سلمان، والسفير محمد آل جابر، والأخير كانت قد استقبلته المليشيا في رمضان المنصرم بصنعاء ضمن وفد سعودي وآخر عماني، ما يعني أن أي مشاورات قادمة مع الرياض او استقبال لأي من هؤلاء الأسماء في صنعاء سيضع الحوثي في مأزق أكاذيبه التي لا يخجل من التبرير لها دوماً.

أما دولة الإمارات فقد وضعت في صدارة قائمتها الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، و10 قيادات عسكرية أخرى، فيما جاء ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، على رأس قائمة متهمي بلاده إضافة إلى خمس قيادات عسكرية أخرى.

ومن السودان الرئيس السابق عمر البشير، و12 قائدا عسكريا بينهم وزير الدفاع أحمد عوض عوف للفترة من 2015 إلى 2019، وعبد الفتاح البرهان، وعبدالله آدم حمدوك، ومحمد حميدتي وآخرون.

كما تضمنت "قائمة المتهمين"، 9 شخصيات بريطانية بينها 3 رؤساء وزراء هم: دايفد كاميرون، تيريزا ماري برازير، الكسندر بوريس دي بفيفيل جونسون، خلال الفترة 2010 وحتى الآن، وأربعة وزراء دفاع، ورئيسا استخبارات.

تصعيد إيراني

قائمة المتهمين، شملت أيضاً 11 شخصية إسرائيلية، هي الأخرى جاءت فترات التهم فيها متفاوتة مثل البقية، إلا أن الملفت أنها اكتفت بحصر فترة اتهام بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء خلال الفترة 2009 وحتى 2021م فقط.

فترات التهم الموجهة ضد بقية المتهمين شملت الفترة من عام 2013 وحتى الآن، وتضمنت أسماء وزراء دفاع الاحتلال ورئيس هيئة الأركان ورؤساء الموساد خلال هذه الفترة. وهنا من الصعب تثبيت آخر مدة للاتهامات عند العام 2021، أسوة بالولايات المتحدة، لسبب وحيد أن هذا التصعيد جاء ضمن تصعيد واسع لطهران عبر أذرعها في المنطقة "العراق، لبنان واليمن" للضغط على ذراع واشنطن "إسرائيل".

أما لماذا لم تشمل فترة الاتهامات الفترة التي سبقت إعلان الشعار الحوثي "الصرخة الخمينية"، حتى يصبح للشعار مبرر، فهذا يحمل دلالتين، الأولى أن إسرائيل، ومثلها أمريكا وغيرها، لم يكن لها أي نفوذ في صناعة القرار في اليمن قبل تلك الفترة، بقدر ما هناك تفاهمات ومصالح مشتركة دون المساس بالسيادة مثل بقية دول المنطقة والعالم، وبهكذا اتهام كشف الحوثيون كذب أنفسهم باتهامات غيرهم في النظام اليمني بأن البلاد كانت تُدار خارجياً، خصوصا وأن التهم الموجهة إلى مسؤولي جميع الدول المدرجة في قائمة الاتهام كان العام 2009 حدها الأدنى (أي قبل 3 أعوام فقط من فوضى2011 التي كانوا شريكاً أساسياً فيها وحكومتها"، وفق حديث المراقبين.

أما الدلالة الثانية، بحسب حديث المراقبين لوكالة خبر، فهي أن المشروع الغربي لتدمير الأنظمة العربية الجمهورية التي لم ترضخ لضغوطه طيلة العقود المنصرمة، بُني وفق قاعدة "عد عدوي صديقي"، فبعد العراق التي تعبث باستقراها الجماعة الشيعية، كان الهدف مصر، ليبيا، اليمن، والسودان، رغم أن الأخيرة سبق وأن قسمها إلى دولتين، إلا أنه لم يكتف بذلك.

وأضافوا، بالنسبة للبحرين، ما شهدته في 2011م، كان اختبارا استخدمه الطرفان "واشنطن وطهران" الأولى استخدمته ابتزازا ومقياسا لواحدية قرار دول مجلس التعاون الخليجي التي يسيل لعاب جميعهم على ذهبها "الأسود"، والأخيرة وجدتها فرصة لن تتكرر حتى إنها رمت بكامل ثقلها، وأمام التدخل العسكري السعودي للحسم، صب الطرفان جل تركيزهما على الدول الأخرى.

والمشروع الشرق أوسطي يستهدف الجميع، فبينما هناك دول تمتاز بموقعها الجغرافي وممراتها المائية، هناك أخرى غنية بالنفط. فكان حقا عليهما أن يدعما أذرعهما، ويتخادما معهما، وفي اليمن كانت مليشيا الحوثي هي الأوفر حظا في ظل عدم القبول بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن صبر طهران بدأ ينفد أمام التعاطي معها وجماعتها وفق سياسة "العصا والجزرة".

وأوضح مراقبون، أن سياسة التصعيد الإيرانية المضطربة، بدلاً من الضغط على واشنطن باستخدام ذراعها في لبنان "حزب الله" في ضرب أهداف إسرائيلية من الجوار، استخدمت الحوثيين من اليمن، على بعد آلاف الكيلومترات، وأمام الفشل المدوي والسريع، جراء إسقاط الصواريخ الحوثية فوق البحر الأحمر وعلى الحدود المصرية، لجأت إلى تحريكها على الحدود الجنوبية للسعودية، وامام الرد الحاسم للأخيرة، بدأت بالضغط ومهاجمتهما بالصواريخ الباليستية، إلا أن اعتراض دفاعاتها الجوية، علاوة على تساقط بعضها من تلقاء نفسه فوق مناطق يمنية، لم يضع خياراً أمام طهران إلا أن تبحث عن ورقة أخرى، أيا كان شكلها ومضمونها، المهم بالنسبة لها إحداث ضجيج "كالطبل".

وأضافوا: بحثت طهران، فلم تجد شيئاً، وتذكرت أن الحوثي "سلطة الأمر الواقع"، يكذب كما يتنفس ودون حياء أو خجل، فوجهته بإخراج مسرحية جديدة بإمكانها لفت الأنظار، وهذه المرة اختارت العالم لتحاكمه، وليس أي محاكمة، وإنما "فار من وجه العدالة" -تقصد من عدالتها-. ما أثار موجة سخرية واسعة على حالة الهذيان التي بلغتها الجماعة.

انقلاب عسكري

في السياق، قال خبير قانوني لوكالة خبر، إن جرائم الانقلاب العسكري، هي من الجرائم الماسة بأمن الدولة ونصت عليها نصوص الدستور وكذلك النصوص القانونية المتعلقه بجرائم أمن الدولة في قانون الجرائم والعقوبات.

وأكد أنه ينطبق على مليشيا الحوثي، جراء انقلابها المسلح في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، قانون العقوبات العامة بحسب المادة رقم (124) تعريف البند، وقوانين مساس الدولة في المواد رقم (125و126 و128 و121) من قانون العقوبات العام.

كما أن انقلابها مخالف للدستور الجمهوري وفق ما تضمنته عديد من المواد الدستورية، أبرزها المواد (4 و5 و36).

وأشار إلى أن مليشيا الحوثي "سلطة أمر واقع واحكامها لا تكتسب المشروعية".

تخادم ثلاثي

وتذكيراً بأحدث أكاذيب المليشيا، فبينما دفعت بناشطيها واعلامها المساند، في أول أيام طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى تداول صور 3 أشخاص قالت إنهم يمنيون استشهدوا في ذات المعركة بغزة، في تصميم قالب الصور المتعارف عليه لقتلاها، وبعده توعد زعيم الجماعة عبدالملك بسحق إسرائيل وأمريكا إن تدخلت الأخيرة.

تدخلت أمريكا وأرسلت حاملة طائراتها، ثم دفعت بمئات المدرعات والصواريخ، وكتائب للدعم اللوجيستي وغيره، ولاحقا أرسلت جنرالاتها حتى إن العملية البرية لم تبدأ إلا تحت إشرافها، لكن زعيمها ابتلع لسانه، ومثلها أفعاله، إلى أن ظهر نهاية الأسبوع المنصرم ناطق قواتها، المدعو يحيى سريع، قائلاً: "الصواريخ والمسيرات حققت إصابات في العمق الاسرائيلي"، ولو أنه يعي ويفهم معنى مصطلح "العمق" لما تجرأ بقول ذلك، وخجل من نفسه.

الكذبة الحوثية، سوقها قطيعها على أن تحرير القدس بات على مرمى حجر من الحوثيين، ولم يتبق سوى إعلان البيان رقم واحد للدولة الفلسطينية، لولا أن حليفهم الأمين العام لحزب الله اللبناني ظهر بعد 48 ساعة (الجمعة الماضية)، ونفض غبار الكذبة التي سبق أعرضوا عن ذكر تكذيبها من غيره، وقالها علنا "لم تصل صواريخ ومسيرات الحوثيين حتى الآن، ولكن ستصل في الأيام القادمة"، وحتى حينها لكل حدث حديث.

الأبعاد والآثار على الداخل المحلي والوضع الإنساني، هو الآخر، لا يعني المليشيا وليس في حساباتها البتة، فهي تتجاهل أن إطلاق صواريخ، أو اعتداءات بهكذا طريقة غير منسقة عربيا ودوليا، سيضع اليمن في مأزق دولي أمام الولايات المتحدة التي ترسو سفنها في عرض البحر الأحمر، لا سيما والردود الإسرائيلية جاءت قبل الأمريكية، حيث حركت تل أبيب أساطيلها باتجاه البحر الأحمر، وعينيهما على الممر الدولي "باب المندب".

والتساؤل الأكثر طرحاً لنفسه، لماذا يحاول الحوثيون الذهاب إلى "إيلات" الإسرائيلية، وهم يدركون أن طريقها مسدود، بدلاً من استهداف السفينة الحربية الأمريكية التي في عرض البحر الأحمر باعتبارها أقرب بكثير.. هل تخشاها، أم "تفاهمات" فبراير 2021 تحول دون ذلك؟ خصوصاً والمليشيا غيرت مسارها سريعاً باتجاه الجنوب والداخل السعودي، وهو التغيير الذي ليس ببعيد أنه ضمن مخرجات تلك "التفاهمات".