الصراعات القبلية في الحدا بذمار ضحاياها بالآلاف وأضرارها جسيمة وتغذيها مليشيات الحوثي

تسببت الحروب والنزاعات القبلية بمديرية الحدا محافظة ذمار، بسقوط الآلاف من الضحايا، فيما أضرارها جسيمة على مختلف الأصعدة، وتستمر هذه الصراعات التي تغذيها مليشيا الحوثي الإرهابية الموالية لإيران التي سيطرت عليها في العام 2014.

وتختلف معاناة آلاف الأسر في مديرية الحدا الواقعة شرق محافظة ذمار عن بقية السكان في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين الذين يشاركونهم أصنافاً من الآلام والأوضاع جراء الحرب المستمرة للعام الثامن على التوالي، فكان لأهالي مديرية الحدا نصيب وافر ومضاعف أشد ثقلاً وإيلاماً نتيجة الحروب القبلية المستعرة، سواء بين جيل الأبناء أو جيل الآباء والأمهات، أو حتى بين الأجيال التي لم تولد بعد، حيث مبدأ "توريث الثأر".

ودفعت الحروب الضارية والقاسية آلافاً من الأسر في الحدا إلى النزوح والتشرد من القرى المتحاربة يدفع ثمنها من تبقى من السكان والأطفال والنساء الذين يتجرعون بشكل يومي ويلات الحروب ويدفعون الثمن الباهظ في كل حرب.

وتجاوز عدد الحروب القبلية 22 حرباً أغلبها تتمركز في مديرية الحدا لتكون أكثر المديريات التي تشهد حروبًا قبلية في محافظة ذمار مخلفة آلاف الضحايا بينهم نساء وأطفال في ظل تجاهل تام وتقاعس عن ايقاف الحرب من قبل سلطة الأمر الواقع الحوثية.

وتختلف أسباب ودوافع النزاعات القبلية فمنها الصراع على أراض والحدود بين قرى الحدا وبعضها من نتيجة خلافات لأسباب بسيطة تتطور غالباً إلى قضايا ثأر فردية ثم تتحول إلى حروب قبلية جماعية يكتوي بنارها كافة الأهالي من كل الأطراف.

وتتواصل الحروب القبلية في مديرية الحدا مهددة المعالم الأثرية والتاريخية والإرث الحضاري العريق لها والذي يعود للعهدين السبئي والحميَري حيث تشهد العديد من الحروب أبرزها بين كل من قرى (بيت ابو محنقه / ويفعان بني ضبيان) و(سبلة بني بخيت/ كومان سنامه) و(بني سبأ / الفقراء) و( النصله / الشعملي) في ثوبان و( ال عنبل / بني اسعد) في ثوبان و(الزييّدة / الجَلِب) في بني زياد و( الرشدة / بني عيسى) و( نشال / الزور) في النصرة و(المشاخرة / مريد) في النصرة و( بني محمد علي/ بني جرشب) و(بني حديجه - حرب داخلية) و(بيت شطيف حليس/ والعفيف) و(كلبه مخدره - حرب داخلية) فضلا عن العديد من الحروب والثأرات الفردية والأسرية والجماعية.

وقدرت الكلفة البشرية التي خلفتها الحروب القبلية في الحدا بآلاف القتلى والجرحى بينهم نساء وأطفال، فعلى سبيل المثال كلفت الحرب المستمرة منذ سنوات طويلة بين قريتي (بيت ابو محنقه / ويفعان بني ضبيان) نحو 40 قتيلا وأكثر من مائة جريح بينهم نساء وأطفال وتسببت أيضا في نفوق المئات من المواشي وأضرار مادية فادحة في منازل الأهالي، بينما أسفرت آخر حصيلة للحرب الأخيرة المتجددة بين أهالي قريتي (كومان سنامة/ وسبلة بني بخيت) عن 58 قتيلا وجريحا من الجانبين، وترجع أسباب الحرب بين تلك القرى إلى خلافات على أراض زراعية وحدود بينها.

كما أدت الحرب الدائرة بين قريتي (المشاخرة / مريد) في النصرة إلى سقوط نحو 26 قتيلا و117 جريحا من الجانبين، وكالعادة تعرضت عدد كبير من المنازل للدمار الكلي والجزئي، ناهيك عن كثير من الأضرار الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي لحقت بأطراف الحرب.

وتحولت الحرب القبلية في بعض قرى الحدا المتحاربة بحسب إفادات أهال إلى مصدر دخل مالي وارتزاق لبعض المشايخ والوجهاء الموالين لمليشيا الحوثي في طرفيها، حيث يتحصل المشايخ على أموال تقدم بشكل دوري من عشرات المغتربين المنتمين لقراهم تحت مسمى "الغرم القبلي" حتى انهم يلجأون الى إفشال أي وساطات لوقف الحرب خوفا من انقطاع مصدر الدخل في حال توقفت الحرب، كما دفعت الحروب والنزاعات القبلية المستمرة المزارعين من أهالي القرى إلى بيع محاصيلهم الزراعية وشراء الأسلحة الثقيلة والمتوسطة  والذخائر بشكل مستمر مما يضاعف معاناة الأهالي ويثقل كواهلهم.

ويتهم أهالي الحدا محافظ المحافظة محمد البخيتي المعين من قبل الحوثيين وقيادة السلطة المحلية والأمنية الموالية لها بتأجيج الحرب وتغذيتها والتقاعس في التدخل لوقفها، بل بقيامها عدة مرات بمنع وساطات قبلية وجهود مجتمعية في إيقاف الحروب والنزاعات القبلية كان آخرها حرب (الزييّدة / الجَلِب) في بني زياد، بل لم تبذل جهداً جادّاً وحقيقيا يذكر في إخراج أي حملة أمنية أو طقم واحد لإيقاف هذه الحروب كجزء من مسؤولياتها القانونية كسلطة "أمر واقع"، بينما تقوم بإخراج الأطقم الأمنية في حال حدث إطلاق نار في الهواء بمناسبات الأعراس بقرى الحدا بهدف فرض غرامات مالية لصالح قياداتها.

ويؤكد شيخ قبلي من مديرية الحدا، أن مليشيا الحوثي تنفذ مخططا خبيثا يستهدف كافة القبائل اليمنية وبشكل خاص القبائل التي كان لها دور مشهود في مقارعة النظام الكهنوتي البائد من خلال تهميش المشايخ الحقيقيين والبارزين واتهامهم بـ(الخيانة) من قبل المليشيات الحوثية وتهجير أغلبهم خصوصا خلال أحداث ديسمبر 2017، ودعمها لبعض الشخصيات الموالية لها، وابرازهم كمشايخ بين القبائل وتستخدمهم لتحقيق أجندتها وأهدافها لتحشيد الشباب والأطفال من أبناء القبائل مما تسبب في خلق عداوات داخلية في صفوف القبائل.

وأشار إلى أن المليشيا تعمل بطريقة المثلين الشعبيين "فرق تسد" و"مصائب قوم عند قوم فوائد" عبر تأجيج الصراعات والثأرات والسماح باتساعها، بهدف إضعافها، وضربها بعضها ببعض، في إطار مساعيها، الهادفة إلى تفكيك واحدية ولُحمة القبيلة وتمزيق المجتمع، وتدمير النسيج الاجتماعي.

ويرى مراقبون أن مليشيا الحوثي تثير النزاعات والعصبيات القبلية والأسرية والمناطقية في إطار مساعيها لتقوية قبضتها وهيمنتها على مناطق سيطرتها وبهدف إخضاع القبائل اليمنية وتطويعها لصالح أجندتها وتحقيق اهدافها،
وأضافوا إن تغذية مليشيات الحوثي الحروب القبلية في مديرية الحدا كونها مستفيدة من بقاء قبائل الحدا في حروب عبثية مستمرة، وذلك لإلهاء رجالها عن التفكير باستعادة الجمهورية وإنهاء المشروع الإمامي كون قبائل الحدا كان لها الدور الريادي الكبير في قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وكانت المدد الحقيقي المساند لها، وجغرافيا تمثل مديرية الحدا البوابة الشرقية لمحافظة ذمار وتعتبر مديرية حدودية لمحافظة مأرب.

ولفتوا إلى أن أسباب تزايد الحروب القبلية يرجع إلى غياب الدولة وضعف ومماطلة القضاء في الفصل في قضايا المتخاصمين وفقدان الردع القانوني ومحاسبة مرتكبي الجرائم، فيلجأ الأهالي إلى التعصب القبلي الذميم خاصة في المناطق التي ينتشر فيها تفشي الأمية والجهل وعدم الوعي، إضافة إلى تأثير قيادات المليشيا المسيطرة على السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والذي ساهم في تغذية الخلافات الداخلية والاستفادة من المعدل التراكمي للثأرات والحروب القبلية لتشتيت واستنزاف القبائل والمجتمع وتفكيك تماسك وواحدية القبيلة، بالإضافة إلى تحول الحروب الى مدخل لقيادات المليشيات لفرض غرامات مالية على طرفيها من وقت إلى آخر.

وأشاروا إلى أن من الآثار السلبية تنامي واتساع رقعة الفتن، ومشاعر الحقد والكراهية والانتقام، وانهيار القيم الاجتماعية والصفات الحميدة وضعف الوازع الديني.