مصادر حقوقية: المنظمات الأممية ومليشيا الحوثي تنهب مليارات الدولارات قُدّمت للجوعى في اليمن

تعهّدت 36 جهة مانحة مؤخراً بتقديم ما يقرب من 1.3 مليار دولار للاستجابة الإنسانية في اليمن لهذا العام 2023 لتغطية احتياج أكثر من 17 مليون شخص في اليمن، والذي أعلنت الأمم المتحدة عن حاجتها لـ4.3 مليار دولار لتقديم المساعدة لهم، في الوقت الذي يتهم حقوقيون المنظمات الدولية بتبديد نحو 70% من هذه الأموال تحت عناوين ومسميات عدة، بينما توجه المنظمات الدولية اتهامات لميلشيات الحوثي بنهب أموال المساعدات الإنسانية.

رغم أن المبلغ المرصود والذي اعلن عنه في مؤتمر المانحين لا يفي بالغرض، بحسب بيانات صادرة عن منظمات دولية، الا ان تلك المبالغ تثير الكثير من التساؤلات عن مصيرها خصوصا بعد نهب نحو 22 مليار دولار قدمها المانحون خلال ثماني سنوات من الحرب التي اشعلتها مليشيات الحوثي الموالية لإيران.

ومثل كل عام منذ بدء الحرب، تطلق الأمم المتحدة تحذيرات للمانحين والعالم بان نقص التمويل يهدد بـ"المجاعة" في اليمن وان 56% من السكان بحاجة عاجلة للمساعدات الإنسانية وتتخذ من الأزمة الإنسانية عناوين ولافتات لنهب الأموال، ناهيك عن تورطها في دعم الميليشيا الحوثية. بحسب مراقبين.

وفي ظل تفاقم معاناة النازحين والسكان عاما بعد آخر بشكل متصاعد منذ بدء الحرب قبل ثماني سنوات يوجه حقوقيون اتهامات للمنظمات الدولية بتبديد نحو 70% من اموال المساعدات تحت عناوين ومسميات عدة بالاموال المخصصة أساسا لانقاذ ملايين الجوعى في اليمن.

لا توجد احصائية دقيقة باعداد المنظمات في اليمن والتي تتنوع ما بين دولية ومحلية وجمعيات ومؤسسات وغيرها، لكن نحو 80% منها تُدار من مقرها الرئيسي في صنعاء الخاضعة لجماعة الحوثي، وتعمل بشكل ملحوظ ولافت في مناطق نفوذه، بينما سجلت نحو 780 منظمة في العاصمة المؤقتة عدن وعدد من المحافظات المحررة باستثناء محافظتي الجوف ومأرب التي سجلت 120 منظمة، فيما سجلت نحو 70 منظمة تعمل في الساحل الغربي، ورغم تلك الاعداد للمنظمات العاملة في كافة المحافظات المحررة الا انها لا تنشط منها الا قرابة 20%.

وبحسب تقارير، وصلت المساعدات الدولية المقدمة لليمن عبر منظمات الأمم المتحدة خلال السنوات الست الماضية إلى 22 مليار دولار، ضمن برنامج "خطة الاستجابة الطارئة" الا ان الفساد المتغلغل في وكالات الاغاثة والمنظمات الدولية فاقم أزمة الجوع في البلد المصنف بأسوأ أزمة إنسانية في العالم والذي لا يصل من تلك المساعدات الى بطون الجائعين سوى الفُتات.

نهب حوثي

ورغم اتهامات المنظمات الدولية لميلشيات الحوثي بنهب أموال المساعدات الإنسانية، الا ان عدم اتخاذها اي اجراءات حقيقية او ملموسة لإيقاف عبث الحوثيين والتصرف بأموال المشاريع الممولة من المنظمات الدولية في مناطقهم اثار الكثير من التساؤلات لدى مختصين بمراقبة نشاط المنظمات الاغاثية العاملة في اليمن، في ظل رفض المنظمات الأممية الإفصاح عن بياناتها المالية خلال السنوات الماضية خصوصا بعد الكشف عن فضائح ووقائع فساد لمسؤولي إغاثة أمميين في اغسطس 2019 وآخرين من قيادات مليشيا الحوثي كالمنتحل صفة وزير المياه والبيئة نبيل الوزير وسبعة من قيادات وزارته في اواخر عام 2020.

(Lorenzo Tugnoli/for The Washington Post)
(Lorenzo Tugnoli/for The Washington Post)


وأكدت مصادر عاملة في احدى المنظمات الإنسانية لوكالة خبر، ان المنظمات الأممية تبدد 70% من اموال المانحين الخاصة بمساعدة الجياع في اليمن، في النفقات الإدارية والتشغيلية، خاصة رواتب منتسبيها وخبرائها ومديريها الذين تصل ميزانية الواحد منهم ما بين 700 دولار إلى 800 ألف دولار سنوياً.

وأوضحت المصادر ان الجزء من تلك الاموال المهدرة خارج نسبة 70% وتنفق من ميزانية المشروع اثناء تنفيذ انشطتها ومشاريعها تحت مسميات منها ورش عمل واجتماعات ومسوحات ونزولات ميدانية يومية، ونفقات السكن في مبان او فنادق تم استئجارها بملايين الدولارات او نفقات التنقلات وايجارات السيارات المستأجرة من شركات تأجير للسيارات تابعة للحوثيين ومقرها في صنعاء، علاوة عن الطائرات الخاصة التي تشغل رحلاتها بشكل يومي من وإلى مطار صنعاء، وقيمة تذاكر لموظفيها العاديين.

وأضافت المصادر إن الجزء الاكبر من هذه الاموال يهدر عبر برنامج الغذاء العالمي الذي يرفض استبدال المساعدات الغذائية العينية التي وصلت للمستفيدين في حالات عدة منتهية الصلاحية وفاسدة وذات جودة رديئة، بالكاش للمستفيدين عبر شركات الصرافة مع فرض رقابة عليها لعدم التلاعب بصرف العملة كون المساعدات الغذائية العينية تكلف وتهدر اموالا باهظة ومستحقات مالية لنقلها من الخارج الى الداخل ومخصصات للعاملين وسائقي الناقلات ثم نقلها للمخازن بتكاليف اكثر من قيمتها الفعلية بشكل مضاعف.

وبحسب المصادر فان اغلب المنظمات الدولية تنتهج منذ ثماني سنوات من الحرب المشاريع الهلامية غير المستدامة التي تقوم باعلانها تحت مسميات براقة على سبيل المثال (مشروع الاستجابة الطارئة) و(مشروع الاحتياجات الصحية والتغذية والمياه والاصحاح البيئي)، وثم تتضح انها مجرد توزيع ادوات نظافة وصابون، وخيام طارئه للنازحين لا تدوم طويلا وتتسبب في الحرائق بشكل سريع.

ووفقا للمصادر فانه رغم اشتراط وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن لا تتعدى نسبة الميزانية التشغيلية 30 في المئة من إجمالي ميزانية اي مشروع، لكن اغلب المنظمات لا تلتزم به اثناء تنفيذ تلك المشاريع الإغاثية إلا أن وزارتي التخطيط في عدن وصنعاء صدقتا على تنفيذ تلك المشاريع المخالفة بعد حصول قياداتهما على مبالغ مالية باهظة لتمريرها، وعلى الرغم من تلك المخالفات، الا انه يتم تنفيذ تلك المشاريع وتسلمها في ظل ضعف الرقابة والتواطؤ من الجهات المعنية.

دور مشبوه

واتهمت المصادر، المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة بممارسة الدور "المشبوه" الداعم لذراع إيران والذي يوفر الغطاء السياسي لها تقدم الدعم المادي واللوجستي في الخارج والداخل، مذكرة بالتباكي من قبل تلك المنظمات على الوضع الانساني في الحديدة في شهر يونيو 2018 وممارستها ضغوطا كبيرة تمكنت من ايقاف عملية تحرير مدينة الحديدة من قبل القوات المشتركة التي كانت على مشارف مدينة ومطار الحديدة، وابرام اتفاق ستوكهولم بين الحكومة مع الحوثيين بدعم من مجلس الأمن الدولي كانت احدى نتائجه انسحاب القوات المشتركة من جانب أحادي وفاء بالتزامات الحكومة من تخوم مدينة الحديدة إلى شمال مديريتي الخوخة وحيس جنوبي المحافظة.

ولفتت الى ان مليشيا الحوثي تمكنت من زرع ادواتها الناعمة داخل المنظمات للقيام بالعمل الاستخباراتي في المناطق المحررة خصوصا في مناطق التماس تحت يافطة العمل الإغاثي والإنساني، كما تركتها تتحكم في ادارة وطريقة توزيع تلك المواد الاغاثية والمساعدات في مناطقها، وتتجاهل الوضع المأساوي للنازحين والمحتاجين في الكثير من المناطق المحررة التي هي في امس الحاجة للمساعدات.

(Lorenzo Tugnoli/for The Washington Post)
(Lorenzo Tugnoli/for The Washington Post)


قال رئيس حملة "لن نصمت"، الدكتور عبدالقادر الخراز في تصريح لوكالة خبر، ان المنظمات الدولية في اليمن تلاعبت بتمويلات المانحين التي وصلت اليها خلال فترة الحرب من 2015 الى 2022 حيث تم رصد مبلغ يفوق 22 مليار دولار هذه المبالغ تبخرت في بطون الفاسدين في هذه المنظمات وايضا في بطون الفاسدين في الحكومة الشرعية والمليشيات الحوثية على حد سواء.

واوضح الخراز ان هناك تقارير كثيرة توضح ان هناك مرتبات بآلاف الدولارات وعشرات آلاف الدولارات لقيادات في كلا طرفي الصراع وتقوم بدفع هذه المبالغ المنظمات الدولية حتى يتم السكوت على الكثير مت فسادها، ناهيك عن قيام المنظمات الأممية بدور الوسيط وتورطها المباشر بدعم مليشيا الحوثي التابعة لإيران.

وأضاف ان الفساد المنظماتي يشمل المشاريع التي اغلبها وهمية او توزيع الاغذية الفاسدة والمنتهية الصلاحية وايضا في موازنتها التشغيلية التي فاقت النسبة الطبيعية التي يفترض ان تصل الى 10 او 20% وقد تعتبر نسبة كبيرة فالكثير من المشاريع اصبحت نسبة نفقاتها التشغيلية ما بين 50% الى 70% بشكل غير معقول ولا منطقي.

وأشار الى ان هناك تلاعبا في المنظمات بما يتعلق في فارق العملة ما بين صنعاء وعدن وهناك لعب كبير في هذا الاطار على حساب الاسر الفقيرة والمحتاجة من اليمنيين ضمن مشروع الحوالات الطارئة، وهناك مثال واضح حيث ان منظمة اليونسيف اخذت مبالغ كبيرة من فارق العملة خلال نحو اربع سنوات بلغ نحو 326 مليون دولار.

وأكد الخراز ان كل الاموال التي منحت لليمن وهي 22 مليار دولار خلال السنوات الماضية نهبت ولم تشاهد على الارض لا يوجد شيء ملموس على الواقع بل ان هذه المنظمات كل سنة تعلن عن خطة جديدة للطوارئ لا تريد ان تحولها الى خطط مشاريع مستدامة تنموية للبلد وكل عام تعلن ان الجوع زاد عند اليمنيين بهدف زيادة الاموال ونهبها ككل الاعوام الماضية.

وتساءل الخراز، اين ذهبت كل تلك المليارات التي تعطى كل عام ولو راجعنا كل عام مبلغ متوسط ما يتم منحه لليمن تقريبا 3 مليارات دولار وهذه المبلغ لو حسبناها على مستوى الشعب اليمني لكان كافيا مبلغ نصف مليار دولار كمرتبات لكل موظفي الدولة مع كافة أسرهم، وهنا سنغطي حاجة ثلث الشعب الى جانب حاجة البلد.

ويضيف، تذكر التقارير الاقتصادية لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ان اليمن بشكل عام يستورد القمح بانواعه الى جانب الأرز بمبلغ مليار و200 مليون دولار في العام الواحد، هذا استيراد لكل الشعب اليمني فلو رصد هذا المبلغ وسلم لكل افراد الشعب اليمني لكان كافيا لحاجته وبذلك تكتشف اللعبة الكبيرة على الشعب اليمني والمتاجرة بمعاناته عبر هذه المنظمات وعبر داعميها للاسف الذين لا يريدون فتح اي تحقيقات ولا محاسبة الفاسدين.

ومنذ العام 2016 طالبت الحكومة اليمنية بشكل متكرر المنظمات خصوصا الدولية التابعة للأمم المتحدة بنقل وفتح مقرات لها في أي محافظة محررة او العاصمة المؤقتة عدن لكن اغلب تلك المنظمات لم تستجب لهذا الطلب مما يعكس التناغم والانسجام والتنسيق مع مليشيا الحوثي ودعمها الفاضح لها.

ونفذت المنظمات الدولية خلال السنوات الثماني الماضية العديد من المشاريع المستدامة وابرزها تأهيل وسفلتة الطرقات في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي بينما تتجاهل دعوات حكومية مستمرة للانتقال في تدخلاتها من حالة الطوارئ إلى حالة التنمية المستدامة.