مستقبل النفط اليمني في ظل الحرب والصراع السياسي

خلال فترة الحرب التي لم تنته، عانت المنشآت النفطية وكذلك الغازية تراجعاً كبيراً لإنتاجها، وفقدت اليمن كميات هائلة من النفط إما مع غياب المعالجات والحلول، أو من خلال التعاطي السلبي مع هذه التدمير الممنهج، الذي كان واضحا طوال سنوات الحرب.

الحرب وفرت فرصاً للقوى المهيمنة، التي سيطرت على واقع النفط فعليا، ما فقدته اليمن من الكمية فكان كبيراً، أخطر ما عززته الحرب من انعكاسات، على طبيعة الإنتاج النفطي والغازي، هو إنهاك هذا القطاع.

لم يتوقف الإنهاك عند مستوى محدد بل تم شل قدرات الإنتاج النفطي والغازي، ومن ثم استمر نهب النفط بشكل واسع، وهذا ما خلخل الخارطة النفطية، وبذلك تمكنت قوى الفساد من الاستحواذ على ثروات وعائدات النفط، وتضعها ضمن أسماء وشخصيات محددة، بمبرر مقاومة الحوثي، بينما كان هناك شراكة بين الطرفين، بين من يهيمن على النفط ومن يحتاج إليه.

مثل هذا التدهور كان مخططاً له، ووفق منظومة -مافيا عميقة- سياسية وكان من مخاطر هذا المخطط، هو التدمير المنظم للإنتاج النفطي والغازي.

مسلسل العبث بثروات اليمن بناءً على هذا المخطط وتغلغل المافيا، وما تلاه من أشكال النهب والفساد، وهذا بدوره انعكس على موارد البلاد وخسارتها للمليارات.

السياسات الفاشلة من الحكومة ومن الرئاسة السابقة، كانت متعمدة ووفرت للفاسدين مساحة أوسع في عرقلة إصلاح القطاع النفطي، ومن ثم نهب الثروات النفطية والاعتماد على شراء النفط الخارجي.

لكن عقد صفقات للحصول على النفط في السنوات الماضية، هي الإشكالية من قبل أطراف مهتمة بمصالحها، من داخل الحكومة وذلك لتوفيره وفق الطلب المحلي، وعبر تجار نفط قريبين من السلطة.

كانت هذه الكميات التي تأتي من النفط والوقود الخارجي، تخزن في منشآت نفطية تابعة للدولة في عدن وشبوة وحضرموت، وتحت نفوذ شخصيات على علاقة بالحكومة وبالسلطة السابقة، وهذا أفقد الدولة مليارات الدولارات وفق صفقات مشبوهة.
الخطأ أيضاً أن الدولة التي تمثلها الشرعية وضعت كل إمكانياتها في توفير الوقود من خلال استيراده من الخارج، وهذا كان كارثياً.

يمكن القول إن ترك القطاع النفطي ومنشآته من دون أي خطط لإعادة إصلاحه، واستمرار نهب كميات كبيرة من النفط وتهريبه، وتحول الإنتاج النفطي لواقع غير معروف بالأرقام والكميات، التي تم تصديرها والمبالغ الهائلة التي ارتبطت بالأجندة الخفية للسلطة الفعلية الفاسدة، والتي سعت لاستمرار تعطيل الإمكانيات المتعلقة في استثمار القطاع النفطي، وإعادة تشغيله لما فيه من تمكين الدولة اليمنية، من الاستفادة من ثرواتها وعائداتها.

خسرت اليمن طوال السنوات التي مضت المليارات من الدولارات، وخضعت لظروف الارتفاع والهبوط في سعر النفط عالميا، بينما المنشآت النفطية اليمنية متوقفة أو لنقل معطلة بفعل فاعل، وأنابيب النفط الرابطة بين حقوله ومنشآت تكريره التي لم تمر من خلالها قطرة نفط واحدة كل هذه الفترة، كل ذلك كان فعلًا مخططًا ومنظما، وعلى درجة متكاملة من العبث والتدمير.

كان يفترض على السلطة الشرعية السابقة أن يكون لديها خيارات سياسية واقتصادية، وأن توقف العبث بالثروة النفطية وكذلك تقوم بتأمين النشاط النفطي والثروات الغازية، ليكون بعيدا عن أي توجه سياسي قد يلحق الضرر بمنشآت وإمكانيات ضخمة.

هذا لم يحدث ولم تسارع أي جهة حكومية، لتعزيز حضور الدولة وذلك في مواجهة ما كانت ترتبه أطراف بعينها، من اختراق الواقع النفطي في المحافظات المنتجة بسياسة التدمير.

وضعت قوى بعينها من يخضعون لذات التوجة السياسي، ليتم تعيينهم في أعلى المناصب لتلك المؤسسات النفطية، وهذا عمق الأزمة، وزاد من فقد البلد لكميات كبيرة من النفط وتحول النفط وإنتاجه وبيعه ليكون في يد مافيا خطيرة، عززت حضورها السياسي والتوظيفي في القطاع الأهم، لتهيمن عليه وتسيطر على إمكانياته وموارده.

يظل النفط من الثروات السيادية الهامة، واليمن تعتمد كليا في ميزانيتها عليه، بما يقارب 70% وهذا يجعله سببا، لتزايد التوجهات في السيطرة والتمكن من كل مفاصله وتحويله ليكون تحت سيطرة القوى المتلهفة عليه ما قبل التغيرات السياسة وحالة الفوضى التي شهدتها اليمن منذ 2011.

يزيد خطر بقاء النفط بعيداً عن سيطرة الدولة، وهذا يعني تنامي مراكز القوى المهيمنة عليه، والتي تعمل على نهبه والتلاعب بأموال هائلة تذهب لمصادر غير معروفة، ومراكز قوى سياسية وقبلية.

تتلخص مشكلة النفط اليمني في ظل الصراع السياسي، بتمكن أطراف محددة وقدرتها على تحويل موارد النفط، لتكون ضمن حسابات خاصة كذلك برزت طبيعة هذه الأطراف التي رسخت وجودها في المراكز الحساسة لتسيطر على الوظائف العليا والمتوسطة، في كافة القطاعات النفطية.

الصراع السياسي ودور الأطراف السياسية، فرض خيارات هذه الكيانات في عملية التدمير الواسع على قطاع النفط والغاز، فخلال سنوات الحرب اتضح أن هناك قوى محددة لم تلتزم بتحقيق الشفافية وعملت على فرض وجودها على المناطق النفطية الأساسية وتواصل نهبها للكثير من الأموال ولم تتعاون مع الحكومة في إيراد مبيعات النفط في البنك المركزي، وظل قطاع النفط من خلال حكم طرف بعينه محددا على تشكيل خريطة سياسية واقتصادية تخصه، وهو من يفرض أجندته وفق هذه المعادلة.

وسعت هذه الأطراف إلى تغيب حجم الموارد النفطية، بشكل مباشر أو غير مباشر وانكرت طبيعة الإنتاج الفعلي للنفط وكمياته.

سياسة الأطراف المستفيدة من داخل عمق الحكومة اتضحت من خلال عدم تعزيز القطاع النفطي، ليكون ضمن سيطرة الحكومة، فهي من هيمنت وأعاقت أي توجه لإعادة عودة الإصلاح في الواقع النفطي، وهي من فرضت نفسها وهيمنت لتكون صاحبة القرار الأول والسلطة المتحكمة بكل تعقيدات الوضع السياسي.

وهذا ما جعلها متمردة وغير متقبلة لأي توافق حقيقي لإصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي، وهي من سعت لتحقيق مآربها وتفرض تعتيما كاملا حول دورها وترسيخ سياسة إبقاء الواقع النفطي ليكون بعيدا عن الاهتمام والرقابة.

وهذا ما وفرته طبيعة شكل الحكومة والمنظومة السياسية السابقة، التي استفادت من هذا الفساد في تدمير قطاع النفط كليا وعدم الاستفادة من البنية التحتية المتعلقة به لإعادة نمو الاقتصاد وتسليم الرواتب والمحافظة على العملة وإنقاذ ظروف اليمنيين الذين تضرروا مع بقاء هذه السياسية الاخطبوطية الفاشلة.

*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
23 أبريل 2022