صحيفة أمريكية: اللاجئون اليمنيون تُركوا ليموتوا في الغابات أو التعرض للانتهاكات من قبل حرس حدود بيلاروسيا وبولندا

سلّطت صحيفة أمريكية الضوء على "رحلة الموت" التي اختارها -قسراً- مئات اليمنيين على حدود بيلاروسيا وبولندا، هروباً من أتون الحرب المدمرة التي تشهدها البلاد، بعد أن توقفت الرواتب وبات الملايين يترقبون أبسط معونة تقدمها منظمة دولية، علاوة على القيود الحوثية المتنامية ضد الحريات، وحملات الاختطافات الواسعة، وهي المخاطر التي باتت لا تشكل فارقاً بالنسبة للمهاجرين.

قال الكاتب والباحث بوغوميلا هول، في مقال نشرته صحيفة "اوبن ديموكراسي" الأمريكية، إن "حرس الحدود البولندي وثّق أكثر من 15000 محاولة عبور للحدود من بيلاروسيا العام الماضي، وأكثر من 40.000 في عام 2021. كما وثق ما لا يقل عن 34 حالة وفاة على طول الحدود البولندية البيلاروسية منذ أغسطس 2021، على الرغم من أن العدد الحقيقي للقتلى مرجح ليكون أعلى بكثير وقد لا يكون معروفاً أبداً، فمن المحتمل أن بعض الجثث قد افترستها الحيوانات قبل اكتشافها".

وأوضح الكاتب والباحث "هول"، أن "من بين أولئك الذين يحاولون العبور يمنيين هاربين من وطنهم الذي دمرته الحرب والفقر".

"هول" الذي قال إنه يعمل منذ سنوات على مشروع بحثي يتابع رحلات هجرة اليمنيين العابرة للحدود، وتحديداً "منذ عام 2019". نقل في سياق مقاله ما دار بينه واللاجئين "في محادثاتنا، وصف اللاجئون اليمنيون الذين وصلوا إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا وبولندا غابات أوروبا الشرقية بأنها مقبرة. قال لي أحدهم "ترى الموتى، ترى الناس يموتون، ويعيشون أسوأ أنواع الحالات الرهيبة".

لكن احتمال الموت ليس رادعاً لأولئك الذين يعيشون في ظل الحرب والكارثة. "نحن موتى على أي حال" هي جملة شائعة لطالما أسمعها.. هكذا يواصل الكاتب حديثه الموغل بمعاناة اللاجئين أنفسهم.

ولفت إلى أن اليمن "تعرض للدمار على مدى السنوات الثماني الماضية بسبب الحرب". حيث "دمرت الأرواح وسبل العيش والاقتصاد والبنية التحتية، واجتاح البلد وباء الكوليرا والجوع وكورونا".

وأضاف: "في المناطق التي يحكمها الحوثيون، يعمل الموظفون بدون رواتب، ويتم إخفاء الناس قسراً، وتجنيد الحوثيين للأطفال".

ابتزاز وتعذيب

وأمام هذه المعاناة المفتوحة، لا يتردد الكثير من اليمنيين من الفرار خارج البلاد، وخوض "رحلة الموت" بكامل تفاصيلها، فهي بالنسبة لهم أقل وطأة من آثار الحرب المدمرة والتي امتدت آثارها إلى جوازات السفر وقيمته الدولية، وفق حديث الكاتب والباحث كول.

"وفي محاولة يائسة للنجاة بأنفسهم من آثار الحرب المدمرة في وطنهم، يضطر اليمنيون إلى الشروع في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر لأن جوازات سفرهم لا تمنحهم سوى القليل من القدرة على التنقل بأمان وحرية".

ويضيف: "أما بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في طلب اللجوء في أوروبا، فإن السفر عبر بيلاروسيا وبولندا شائع، لأن الرئيس البيلاروسيي رفع قيود التأشيرة في عام 2021، مما سمح للأشخاص بالسفر إلى هناك. ورغم أنه تم إعادة فرض القيود منذ ذلك الحين، لكن لا يزال بإمكان اليمنيين السفر جوا إلى روسيا والدفع مقابل تهريبهم إلى بيلاروسيا".

وذكر "هول" أيضاً، أن "مخاطر العبور ترجع إلى بولندا جزئياً إلى وحشية حرس الحدود البيلاروسيين، الذين يقول المهاجرون إنهم يسهلون حركتهم، لكنهم يسيئون إليهم أيضا ويبتزونهم ويعذبونهم".

ونقل عن أحد اللاجئين اليمنيين "أنه عندما تظاهر بالموت لتجنب المزيد من الضرب، دفع حرس الحدود البيلاروسيون بيضة في حلقه. قال لاجئ آخر، طلب السماح له بالعودة إلى مينسك، إن حرس الحدود هددوا بقطع أصابعه بقواطع الترباس التي يستخدمونها لقطع الأسلاك الشائكة التي يدفعون من خلالها المهاجرين إلى بولندا".

ويواصل سرد نماذج من معاناة اللاجئين الذين تمكن من الوصول إليهم واللقاء بهم "قال آخرون إنهم أجبروا على تكرار الكلمات فيما افترضوا أنها بيلاروسية، فقط ليتم السخرية منهم وضربهم بالبنادق أو أغصان الأشجار مع كل خطأ يتم نطقه".

كما نقل عن شاب اسمه "يوسف"، 24 عاما، "أن الجنود البيلاروسيين حشروه مع عشرات آخرين في شاحنة صغيرة فوق رجل يحتضر، وأمروهم بالتخلص منه على الجانب البولندي من الحدود".

على الحدود البولندية

وفي سياق عرضه لرحلة اللاجئين اليمنيين المحفوفة بالمخاطر وحالات الموت، أشار إلى أن "بولندا التزمت بإضفاء الطابع الأمني على الحدود لكنها فعلت ذلك دون الكثير من التظاهر بالشفقة"، مؤكدا أنها "مع بدء وصول اللاجئين، تم فرض حالة الطوارئ في المنطقة الحدودية الشرقية لبولندا في 2 سبتمبر 2021، مما حول المنطقة إلى منطقة عسكرية بشدة".

وكشف عن نوايا بولندا في ملاحقة اللاجئين، بعكس ما تظاهرت به من تعاطف أمام الرأي العام. فمن "أجل الكشف عن المهاجرين والقبض عليهم، كانت المنطقة التي تضم أكثر من 180 قرية وبلدة مليئة بحرس الحدود والكلاب والطائرات بدون طيار"، مشيرا إلى أنه "تم جلب الجنود والشرطة وقوات الدفاع الإقليمي من جميع أنحاء البلاد". وبعد كل هذه الترتيبات المشددة يقول إنه "تم إغلاق المنطقة ولم يُسمح بدخول الصحفيين والمنظمات الإنسانية والناشطين والأشخاص العاديين". فهكذا يتم التعامل مع اللاجئين في طريق سفرهم الذي وإن كان غير قانوني، إلا أنه له مبرراته لا سيما في البلدان التي تشهد حروبا ضروسا، تحتم على بلدان أخرى أن تبدي تعاطفها ولو الإنساني تجاه مثل هذه الشعوب، إلا أن الحقيقة كانت مغايرة كليا لما تتظاهر به تلك البلدان.

يقول "هول"، إن "وكالة حرس الحدود البولندية" أقرّت بأنها "أعادت قسراً أكثر من 50000 شخص إلى بيلاروسيا". وأوضحت أنه "من بين هؤلاء النساء الحوامل والمصابين بأمراض خطيرة، تم إخراج بعضهم من أسرتهم في المستشفيات وإرسالهم إلى الحدود"، لافتاً إلى أن "الغالبية العظمى ممن لا يسمح بعودتهم ينتهي بهم الأمر في مراكز الاحتجاز".

لكن قصة المعاناة والعنف ليست القصة الوحيدة التي يمكن روايتها عن الحدود. هناك أيضا التضامن والكرم واللطف، والتي في مواجهة عنف الدولة يمكن أن تحافظ على تنقل الناس وحياتهم. بعد كل شيء، على الرغم من كل الجهود لردعهم، تمكن عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يمرون عبر بيلاروسيا من الوصول إلى دول أوروبا الغربية التي يختارونها، والحديث هنا للكاتب والباحث "هول"، الذي أضاف: عندما أخبرني الأشخاص الذين قابلتهم من اليمنيين عن تجاربهم في الاختباء في الغابات البولندية، تحدثوا عن الغرباء الذين أصبحوا رفقاء يعتنون ببعضهم البعض، ويتشاركون الموارد، ويعتنون بالأكثر ضعفاً.

كاد حسين أن يغرق في مستنقع، لكن تم سحبه وعرض عليه مجموعة من الملابس الجافة من قبل رفاقه الذين التقى بهم قبل أيام قليلة فقط. قال بصراحة: "لم يكن بإمكاني فعل ذلك بمفردي". بفضل هذا التبادل الأخوي، يعيش الناس ويتقدمون عبر الغابة.

وصف صديقان يمنيان كيف أنهما كانا يحملان أفراد عائلة عراقية، بينهم طفل وامرأة أصيبت ساقها. قالوا "لا يمكننا التخلي عنهم، اعتقدنا أنهم سيموتون".

ويواصل "هول" الحديث عن أوضاع اللاجئون في ظل التضييق لحكومة بولندا: "أثناء حديثهم، فكرت في كيفية رفض هؤلاء الشباب موضوع الكثير من الذعر الأخلاقي في الخطابات حول الهجرة - السماح للناس بالموت، بينما تسمح الحكومة البولندية، بدعم من الاتحاد الأوروبي، عمداً بحدوث الوفيات".

القيود البولندية ضد اللاجئين لا تشمل التعميم، بحسب حديثه، فـ"النشطاء وسكان المنطقة الحدودية يتصدون للعنف والأضرار التي تصنعها الدولة. على الرغم من تجريم التضامن، مع النشطاء البولنديين الذين يحاولون مساعدة اللاجئين المتهمين بتهريب الأشخاص، والجهود المبذولة لجعل عملهم مستحيلاً"، موضحا في ذات الشأن أنها "ظهرت شبكة رائعة من الأشخاص والمنظمات على الأرض". قال إنهم "يوزعون الحساء الساخن والماء والوجبات الخفيفة والملابس ومشروبات الطاقة على المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في الغابات". كذلك بالنسبة للذين "يحتاجون إلى رعاية طبية يعالجهم مسعفون وأطباء متطوعون، لأن استدعاء سيارة إسعاف يعني وصول حرس الحدود".

وأشار الكاتب والباحث بوغوميلا هول، في نهاية مقاله البحثي، إلى أن النشطاء يوفرون "التمثيل القانوني، الذي يعتمد عليه المهاجرون لتقديم طلبات اللجوء، ومتابعة من يتم اعتراضهم في المستشفيات ومقار حرس الحدود، على أمل أن يؤدي وجودهم إلى جعل عمليات الإعادة أكثر صعوبة". وهو الأمر الذي يدفع السلطات إلى أن تستبق ذلك بخطوات أكثر قسوة بحق اللاجئين لغرض إحباط الوصول في نهاية المطاف إلى "الحصول على ملف اللجوء".